فصل: ذِكْرُ الْمُسْتَأْمَنِ يَسْرِقُ أَوْ يَزْنِي أَوْ يُصِيبُ حَدًّا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمَانِ:

وَاخْتَلَفُوا فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ عَلَى أَمَانِ الْحَرْبِيِّ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنِّي قَدْ أَمَّنْتُهُمْ، جَازَ أَمَانَةً عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَيَعْقِدُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ» وَلَمْ يَقُلْ إِنْ جَاءُوا عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلَّا فَلَا أَمَانَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، هَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ اثْنَانِ: قَدْ كُنَّا أَمَّنَّاهُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذُوا وَذَلِكَ بَعْدَمَا صَارُوا فِي الْقِسْمَةِ، لَمْ يُصَدَّقُوا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَنْ فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا قَالَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوِ امْرَأَةٌ: قَدْ أَمَّنْتُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيرُوا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ آمِنُونَ، وَإِنْ صَارُوا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ: قَدْ أَمَّنْتُهُمْ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الرَّجُلِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ إِنْ قَامَ شَاهِدَانِ فَشَهِدَا أَنَّ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَمَّنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيرُوا أَسْرَى فَهُمْ آمِنُونَ أَحْرَارٌ، وَإِذَا أَبْطَلْنَا شَهَادَةَ الَّذِي أَمَّنَهُ، فَحَقُّهُ مِنْهُمْ بَاطِلٌ، لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ، وَقَدْ زَعَمَ أَنْ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ.

.ذِكْرُ الْعِلْجِ يُضْمَنُ لَهُ أَنْ يُعْطَى كَذَا عَلَى أَنْ يُفْتَحَ بَابُ حِصْنٍ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، وَوُجُوبُ الْوَفَاءِ لَهُ بِهِ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا قَالَ الْعِلْجُ لِلْإِمَامِ: أَفْتَحُ لَكُمْ بَابَ هَذَا الْحِصْنِ عَلَى أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا الشَّيْءَ يَذْكُرُهُ، فَمِمَّا يَجُوزُ مِلْكُهُ مَعْلُومًا فَفَتَحَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفِيَ لَهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ لَقِيتُهُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّهُ صَالَحَ دِهْقَانًا عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ الْمَدِينَةَ وَيُؤَمِّنَ مِائَةً مِنْ أَهْلِهِ، فَفَعَلَ، فَأَخَذَ عَهْدَ أَبِي مُوسَى، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: فِي عِلْجٍ دَلَّ قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَلْعَةٍ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُ جَارِيَةً سَمَّاهَا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْقَلْعَةِ صَالَحُوا صَاحِبَ الْقَلْعَةِ عَلَى أَنْ يَفْتَحَهَا لَهُمْ، وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، فَفَعَلَ، فَإِذَا أَهْلُهُ تِلْكَ الْجَارِيَةُ، قَالَ: فَأَرَى أَنْ يُقَالَ لِلدَّلِيلِ: إِنْ رَضِيتَ الْعِوَضَ عَوَّضْنَاكَ قِيمَتَهَا، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْعِوَضَ فَقَدْ أَعْطَيْنَا مَا صَالَحْنَاكَ عَلَيْهِ غَيْرَكَ، فَإِنْ رَضِيَ الْعِوَضَ أُعْطِيَهُ، وَتَمَّ الصُّلْحُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعِوَضَ، قِيلَ لِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ: قَدْ صَالَحْنَا هَذَا عَلَى شَيْءٍ صَالَحْنَاكَ عَلَيْهِ بِجَهَالَةٍ مِنَّا بِهِ، فَإِنْ سَلَّمْتَهُ إِلَيْهِ عَوَّضْنَاكَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْهُ نَبَذْنَا إِلَيْكَ وَقَاتَلْنَاكَ، وَإِنْ كَانَتِ الْجَارِيَةُ قَدْ أَسْلَمْتَ قَبْلَ أَنْ يَظْفَرَ بِهَا فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهَا، وَيُعْطَى قِيمَتَهَا، وَإِنْ مَاتَتْ عُوِّضَ مِنْهَا بِالْقِيمَةِ، وَلَا يُبَيَّنُ فِي الْمَوْتِ كَمَا يُبَيَّنُ إِذَا أَسْلَمَتْ.

.مَسْأَلَةٌ:

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُشْرِكِ يَخْرُجُ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ، ثُمَّ يُسْلِمُ فَغَزَا الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الدَّارَ، فَأَصَابُوا أَهْلَهُ وَمَالَهُ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَهْلُهُ وَمَالُهُ فَيْءُ الْمُسْلِمِينَ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِثْلَهُ فِي صِبْيَةٍ صِغَارٍ، وَكِبَارٍ تَرَكَهُ الرَّجُلُ الَّذِي أَتَى فَأَسْلَمَ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ، قَالَ: مَا أَرَاهُمْ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَالِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي جَمَاعَةٍ أَسْلَمُوا فِيهَا مِثْلُ الْإِسَارِ: حَقَنُوا دِمَاءَهُمْ، وَأَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ، إِلَّا مَا حَوَى قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، وَكَانُوا أَحْرَارًا، وَلَمْ يُسْبَى مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ أَحَدٌ صَغِيرٌ، فَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمُ الْبَالِغُونَ، فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ فِي الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ لَا حُكْمُ الْأَبِ وَالزَّوْجِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، قَالَهُ النُّعْمَانُ، قَالَ: وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ، أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَرَقِيقِهِ، وَمَتَاعِهِ، وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ فَهُوَ فَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ حَامِلًا، وَهِيَ كَافِرَةٌ، كَانَتْ فَيْئًا، وَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ بِمَنْزِلَتِهَا.
وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: أَيُّمَا أَرْضٍ افْتُتِحَتْ عَنْوَةً، فَأَسْلَمَ أَهْلُهَا قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوا، فَهُمْ أَحْرَارٌ، وَمَا لَهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَهَكَذَا أَرْضُ السَّوَادِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ فِي بِلَادِ عَدُوِّهِمْ مُسْلِمًا مَعَهُ امْرَأَةٌ وَأَمَةٌ وَوَلَدٌ، فَقَالَ: امْرَأَتِي وَوَلَدِي وَمَالِي وَأَمَتِي ابْتَعْتُهَا، إِنْ كَانُوا فِي يَدَيْهِ صَدَقَ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ لِلْعَدُوِّ.

.ذِكْرُ الْمُسْتَأْمَنِ يَسْرِقُ أَوْ يَزْنِي أَوْ يُصِيبُ حَدًّا:

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَأْمَنِ يَسْرِقُ، أَوْ يَقْذِفُ، أَوْ يَزْنِي، أَوْ يُصِيبُ بَعْضَ الْحُدُودِ، فَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: ذَلِكَ وَجْهَانِ مَا كَانَ مِنْهَا لِلَّهِ لَا حَقَّ لِلْآدَمَيِّينَ فِيهِ، يَكُونُ لَهُمْ عَفْوُهَا، وَإِكْذَابُ شُهُودٍ لَوْ شَهِدُوا لَهُمْ بِهِ، فَهُوَ مُعَطَّلٌ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِ، إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لَمْ تُؤَمَّنُوا عَلَى هَذَا، فَإِنْ كَفَفْتُمْ وَإِلَّا رَدَدْنَا عَنْكُمُ الْأَمَانَ وَأَلْحَقْنَاكُمْ بِمَأْمَنِكُمْ، فَإِنْ فَعَلُوا أَلْحَقُوهُمْ بِمَأْمَنِهِمْ وَنَقَضُوا الْأَمَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِّ الْآدَمِيِّينَ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا قَتَلْنَاهُمْ، فَإِذَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَنْ يُقِيدَ مِنْهُمْ حَدُّ الْقَتْلِ، لِأَنَّهُ لِلْآدَمَيِّينَ كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ كُلَّ مَا دُونَهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِثْلَ الْقِصَاصِ فِي الشَّجَّةِ وَأَرْشِهَا، وَمَثَلَ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ. وَالْقَوْلُ فِي السَّرِقَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَطَّعُوا وَيُغَرَّمُوا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُغَرَّمَ الْمَالَ، وَلَا يُقَطَّعُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْآدَمَيِّينَ وَالْحَدَّ لِلَّهِ. وَاحْتُجَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ حُدُودِ اللهِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ بِآيَةِ الْمُحَارِبِ.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِذَا زَنَى بَعْضُهُمْ، أَوْ سَرَقَ، أَوْ قَذَفَ مُسْتَعْلِنِينَ بِهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِينَا، أَوْ فِي أَهْلِ ذِمَّتِنَا، أُخِذُوا بِالْحُدُودِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُؤَمَّنُوا عَلَى إِتْيَانِهَا فِينَا، وَإِظْهَارِ الْفَوَاحِشِ.
وَقَالَ النُّعْمَانُ، وَيَعْقُوبُ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مُسْتَأْمَنِينَ لِتِجَارَةٍ، فَزَنَى بَعْضُهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ سَرَقَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ.

.ذِكْرُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي دَارِ الْحَرْبِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْ ذَلِكَ.
6672- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: أَصَابَ أَمِيرُ الْجَيْشِ، وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ شَرَابًا فَسَكِرَ، فَقَالَ النَّاسُ لِأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَوِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: أَقِيمَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقَالَا: لَا نَفْعَلُ، نَحْنُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَنَكْرَهُ أَنْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ، فَتَكُونَ جُرْأَةٌ مِنْهُمْ عَلَيْنَا وَضَعْفٌ بِنَا وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ بِأَرْضِ الرُّومِ، قَالَ: تُؤَخَّرُ إِقَامَتُهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَقَالَ فِي الْأَسِيرِ يُصِيبُ حَدًّا، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْإِسْلَامِ: يُقَامُ عَلَيْهِ إِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ عَدْلٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِيمَنْ غَزَا عَلَى جَيْشٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ مِصْرَ، وَلَا شَامٍ، وَلَا عِرَاقَ، وَأَقَامَ الْحُدُودَ فِي الْقَذْفِ، وَالْخَمْرِ، وَيَكُفُّ عَنِ الْقَطْعِ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ بِالْعَدُوِّ، فَإِذَا فَصَلَ مِنَ الْحَرْبِ قَافِلًا قُطِعَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمُسْلِمَ يَسْبِيهِ الْعَدُوُّ، فَيَقْتُلُ هُنَاكَ مُسْلِمًا، أَوْ يَزْنِي، قَالَ: مَا أَعْلَمُ إِلَّا يُقَامُ عَلَيْهِ إِذَا خَرَجَ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْجَيْشِ، قَالَ: لَا، حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ بِلَادِهِمْ. قَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى إِقَامَةَ ذَلِكَ أَحْسَنَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقَامُ الْحُدُودُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ كَمَا تُقَامُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَمَرَ بِقَطْعِ السَّارِقِ، وَحَدِّ الزَّانِي، وَالْقَاذِفِ، وَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ فِي كِتَابِهِ، فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا يُقِيمُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَوَاءً، وَغَيْرُ جَائِزٍ الْمَنْعُ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِإِقَامَتِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَلَا نَعْلَمُ حُجَّةً خَصَّتْ بِذَلِكَ أَرْضًا دُونَ أَرْضٍ، وَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ مُرَادٌ، لَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى رَسُولِهِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَيْشِ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَسَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، أَوْ شَرِبُوا الْخُمُورَ، أَوْ زَنَوْا: يُقِيمُ عَلَيْهِمُ الْحُدُودَ أَمِيرُ الْجَيْشِ كَمَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الْحَقِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا فَرَّطَ فِيهِ الْوَالِي وَأَخَّرَهُ حَتَّى يَقْدَمُوا أَرْضَ الْإِسْلَامِ، أَرَى أَنْ يُقَامَ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُسْتَأْمَنِينَ، أَوْ أَسْرَى فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَوْ زَنَوْا بِغَيْرِ حَرْبِيَّةٍ، فَالْحُكْمُ عَلَيْهِمْ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أُسْقِطَ عَنْهُمْ لَوْ زَنَى أَحَدُهُمْ بِحَرْبِيَّةٍ إِذَا ادَّعَى الشُّبْهَةَ، وَلَا يُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُمْ فَرْضًا، كَمَا لَا يُسْقِطُ صَوْمًا، وَلَا صَلَاةً، وَلَا زَكَاةً، وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا هُوَ مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ، أُقِيمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَلْحَقَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ أَقَامَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدَّ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَفِيهَا شِرْكٌ كَثِيرٌ مُوَادَعُونَ، وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهُ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا، وَلَا سَمِعْتُ أَنَّهُ يَرُدُّ حَدًّا أَنْ يُقِيمَهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا إِذَا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ. وَقَالَ فِي الْأُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ: يَجْعَلُونَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِيهِمْ إِذَا خُلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الدَّارُ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةُ، وَالْخَمْرُ، وَجَمِيعُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَدَارِ الْحَرْبِ، وَيُحْكَمُ عَلَى مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حُكْمَ اللهِ فِي كُلِّ دَارٍ وَمَكَانٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ، لَا يَبْطُلُ حُكْمُ اللهِ إِلَّا بِكِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَكُونُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَزَنَى هُنَاكَ وَخَرَجَ، فَأَقَرَّ بِهِ: لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ زَنَى حَيْثُ لَا تَجْرِي أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَخَلَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَزَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ هُنَاكَ، لَمْ أَحُدَّهُ، وَإِذَا كَانَ فِي عَسْكَرٍ فَهُوَ كَذَلِكَ، لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ وَلَا الْقِصَاصَ إِلَّا أَمِيرُ مِصْرَ، يُقِيمُ عَلَى أَهْلِهِ الْحُدُودَ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُقِيمُ حَدًّا وَلَا قِصَاصًا. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الرَّجُلِ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَيَدْخُلُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَيَقْتُلُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةَ، فَإِنْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ إِلَيْنَا، ثُمَّ قَتَلَهُ هَاهُنَا فَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ خَطَأً، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَيَأْخُذُهَا الْإِمَامُ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، إِذَا عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ عَمْدًا، وَكَانَ لَهُ أَوْلِيَاءُ يَسْتَحِقُّونَ دَمَهُ، فَلَهُمُ الْقِصَاصُ، وَهُمْ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءُوا الْقِصَاصَ، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الرَّجُلَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ يَدْخُلَانِ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، قَالَ: عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: عَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ إِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ، إِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي أَسِيرَيْنِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ كَفَّارَةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ كَفَّارَةٌ. وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ الدِّيَةُ أَيْضًا. فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ.

.ذِكْرُ إِسْلَامِ رَقِيقِ أَهْلِ الذِّمَّةِ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْمَعَ عَامَّةُ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ رَقِيقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا أَسْلَمُوا بِيعُوا عَلَيْهِمْ. رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَمِيلُ إِلَى أَنْ لَا يَجِبَ بَيْعُهُمْ عَلَيْهِمْ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ حَدَّثَ بِهِ عَنْ:
6673- جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا الْمَجَازِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، مِنْ فِيهِ إِلَى فِي، قَالَ: ابْتَاعَنِي رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ وَادِي الْقُرَى فَابْتَاعَنِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي، حَتَّى قَدِمَ بِي، وَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَأَكْبَبْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقَبِّلُ الْخَاتَمَ مِنْ ظَهْرِهِ وَأَبْكِي، فَقَالَ: تَحَوَّلْ، قَالَ: فَحَوَّلَنِي فَأَجْلَسَنِي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَدَّثْتُهُ مِنْ شَأْنِي، قَالَ: ثُمَّ أَنِّي أَسْلَمْتُ فَشَغَلَنِي مَا كُنْتُ فِيهِ، فَفَاتَنِي بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَاتِبْ» فَسَأَلْتُ صَاحِبِي الْكِتَابَةَ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى أَنْ أَجِيءَ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَعَلَى أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ وَرِقٍ.

.ذِكْرُ الرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَطْلُعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَيْنُ الْمُشْرِكِينَ قَدْ كَتَبَ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ:

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: مَا سَمِعْتُ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَأَرَى فِيهِ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي جَاسُوسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدُوِّ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ أَبَى عَاقَبَهُ الْإِمَامُ عُقُوبَةً مُوجِعَةً، ثُمَّ غَرَّبَهُ إِلَى بَعْضِ الْآفَاقِ وَضُمِّنَ الْحَبْسَ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِنْ كَانَ مُسْلِمًا عَاقَبَهُ الْإِمَامُ عُقُوبَةً مُنَكِّلَةً، وَغَرَّبَهُ إِلَى بَعْضِ الْآفَاقِ فِي وَثَاقٍ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قُتِلَ، فَإِنَّهُ قَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ حَرْبٍ بَعَثُوا إِلَيْهِمْ بِأَمْوَالٍ عَلَى مُنَاصَحَتِهِمْ، قَبَضَ تِلْكَ الْأَمْوَالِ، فَوَضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُوجَعُ عُقُوبَةً، وَيُطَالُ حَبْسُهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ: أَمَّا مَنْ جَهِلَ الْجَهَالَةَ وَقَدْ عُرِفَ بِسُوءِ الْوَعْدِ وَفَسَادِ الطَّرِيقَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِغَفْلَتِهِ مِنْهُ تَأَبُّدٌ، وَلَا إِوَاءٌ يُخْشَى عَوْرَةٌ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ الْمَرَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الضَّغْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فُطِنَ بِهِ الْجَهْلُ، أَدَّبَهُ الْأَدَبَ الْغَلِيظَ، وَجَعَلَهُ نَكَالًا لِمَنْ سِوَاهُ، وَإِذَا وَجَدْتَ مَنْ قَدْ أَعَادَ ذَلِكَ، وَعُرِفَ مِنْهُ، وَتَوَاطَأَ بِهِ عَلَيْهِ اللِّسَانُ وَالذِّكْرُ، فَهُوَ الْجَاسُوسُ الْمُخْتَانُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ. وَسُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: لَا يَحِلُّ دَمُ مَنْ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، إِلَّا أَنْ يَقْتُلَ، أَوْ يَزْنِيَ بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ يَكْفُرَ كُفْرًا بَيِّنًا بَعْدَ الْإِيمَانِ، ثُمَّ يَثْبُتُ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَيْسَ الدَّلَالَةُ عَلَى عَوْرَةِ مُسْلِمٍ بِكُفْرٍ بَيِّنٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحُجَّةُ فِيهِ السُّنَّةُ الْمَنْصُوصَةُ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ.
6674- أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرُ، وَالْمِقْدَادُ، فَقَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ»، فَخَرَجْنَا تُعَادِي بِنَا خَيْلُنَا، فَإِذَا نَحْنُ بِظَعِينَةٍ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمَرِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟»، فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَاتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَاللهِ مَا فَعَلْتُهُ شَكًّا فِي دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ»، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُول اللهِ، دَعْنِي أَضْرِبُ هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»، وَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] الْآيَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ مَا وَصَفْتُ لَكَ طَرْحُ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِ الظُّنُونِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَاطِبٌ كَمَا قَالَ، وَاحْتَمَلَ الْمَعْنَى الْأَصَحَّ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا احْتَمَلَ فِعْلَهُ، وَحُكْمُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِأَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهِ الْأَغْلَبَ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَتَى فِي مِثْلِ هَذَا أَعْظَمَ فِي الظَّاهِرِ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ أَمْرَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَايِنٌ فِي عَظَمَتِهِ لِجَمِيعِ الْآدَمِيِّينَ بَعْدَهُ، وَإِذَا كَانَ مَنْ خَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُول اللهِ، وَرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عُزْلَتَهُمْ فَصَدَّقَهُ عَلَى مَا عَابَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عَلَيْهِ الْأَغْلَبَ مِمَّا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ، فَيَكُونُ لِذَلِكَ مَقْبُولًا، كَانَ مَنْ بَعْدَهُ فِي أَقَلِّ مِنْ حَالِهِ وَأَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ مَا قِيلَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ هَذَا مِنَ الرَّجُلِ ذِي الْهَيْئَةِ بِجَهَالَةٍ، كَمَا كَانَ هَذَا مِنْ حَاطِبٍ بِجَهَالَةٍ، وَكَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ، أَحْبَبْتُ أَنْ يُتَجَافَى عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ ذِي الْهَيْئَةِ كَانَ لِلْإِمَامِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، تَعْزِيرُهُ.